التعليمُ التطبيقي واختصاصاته كخيارٍ أمثل لمستقبلٍ مهنيٍ أفضل

إننا اليوم ندورُ في فلكِ عالمٍ مُتسارعٍ تقوده التكنولوجيا وتحكمه، إذْ تحولت فيه العُلوم بكافة صُنوفها وأشكالها من النمط التعليمي "النظري والتقليدي" إلى النمط التعليمي "التطبيقي والمُتفاعل"، هذا التحول أبرز أهمية ارتباط العُلوم المُباشر في تسهيل حياة البشر وتيسيرها قدر المُستطاع، بحيث أصبح "البحث العلمي، والانتاج المعرفي" الملموس بَوصَّلة عملية التنمية الشاملةِ والمستدامةِ في كافة المُجتمعات المتحضرة، مما جعلَ من البحثِ العلمي المُعاصر سبيلاً إلى مُخرجاتٍ بحثيةٍ "تطبيقية" تُلبي الحاجات البشرية المُتنوعة والمُختلفة، وتعكسها كتطبيقاتٍ علميةٍ في مجالاتِ التنميةِ المُختلفة خاصة (الاقتصادية، والاجتماعية، والبشرية)، وبالتالي خلق واستحداث فرص جديدة للعملِ والتشغيل في حقولٍ واختصاصاتٍ متعددة.

ولأن "المورد البشري" هو الرُكن الرشيد، والذي يُفترض فيه قيادة وتحريك كُل ما سبقَ وتحدثنا به، فإنه أصبح من الحَرّي بالحُكومات والمُجتمعات قولبة عملية التعليمِ والتعلُّم، وإعادة صياغتها وهيكلتها بشكلٍ يضمنُ إحداثَ عملية التنمية المُستدامة ويرتبط بها، فالتعليم؛ هو السبيلُ الأمثل لتحقيقها من خلال وضع الانسان إلى حيثُ أوصله إنتاجه الفكري والإبداعي، وما ينعكس عن ذلك من اختراعاتٍ جديدةٍ أو مُتجددةٍ ستجدُ طريقها إلى ابتكاراتٍ واسعة الانتشار والاستخدام في عموم المُجتمعات، وقد عبرت منظمة اليونسكو عن هذا التحول في النمط التعليمي من خلال وضع ركائز أربعة للتعليم المُعاصر وهي: (تعلم المعرفة، وتعلم القيام به، وتعلم العيش معًا، وتعلم كيف تكون)، كمبادئ توجيهية للتغيير التربوي الذي يؤكد على نهج شامل ومُستدام، عبر مجموعةٍ من المهاراتِ ذات الترتيب العالي، والتي نسعى بها إلى تحقيق الذات للوفاء بشكل أفضل بمتطلبات عالمنا المُعقد والمُتغير باستمرار.

لذا ما هو "التعليم التطبيقي" وما هي أدواته وأهدافه؟ وما هي مجالات العمل فيه وآفاقها المُستقبلية؟ وهل هو جديرٌ بالاختيارِ من قبل طلبة الثانوية العامة لمستقبلٍ مهنيٍ أفضل؟، والذين احتارت بهم السُبل في اختيارِ تخصصٍ مثالي في ظل تفشي شبح البطالة، والذي خيم على مُستقبل العمل والتشغيل في سوق العمل الفلسطيني وعموم مُجتمعاتنا العربية، وأدى إلى انعدام الفُرص في العديد من التخصصات التقليدية بل وانقراضها القريب حتمياً.

يُشير "التعلمُ التطبيقي" إلى نهجٍ تعليميٍ يتعلمُ فيه الطُلاب من خلالِ الانخراطِ المُباشر في تطبيق النظريات، والمعارف، والنماذج. بحيث تتحول تلك المعلومات والمهارات المُكتسبة نظرياً في الفصول الدراسية إلى جوانب عملية وتطبيقية من خلال (التدريب العملي أو إعدادات العالم الحقيقي أو المشاريع الإبداعية أو البحث المُستقل أو المُوجه)، كما يُمكن أن يَحْدُث نشاط التعلم التطبيقي خارج الفصل الدراسي أو تضمينه كجزء من دورة دراسية أو برنامج دراسي.

وتعرفه أيضاً كُلية بافلو في جامعة ولاية نيويورك؛ بالنمط التعليمي الذي يُركزُ على تحفيز الطلاب وتحديهم لربط ما يتعلمونه بالعالم الذي يختبرونه وما يثيرُ اهتمامهم. فالفرضية الأساسية هي أنه إذا أصبح المُحتوى الأكاديمي أكثرُ صلة وتشاركية وملموسية؛ فإن الطُلاب يتعلمون بشكلٍ أفضل، ويحتفظون أكثر بما تم تعلمه، ويطبقون ما تعلموه بشكلٍ أفضل.

كما يُستخدمُ في تطبيقِ هذا "النموذج والنمط التعليمي" أساليب تدريس عملية مُبتكرة تُسمى أحيانًا بالتعلم السياقي (Contextual Learning)، ومن أدواته تطبيقه: (التعليم التعاوني، التدريب العملي، التنسيب، الخدمة والمشاركة المجتمعية، محاكاة مُتطلبات سوق العمل، الدراسات الميدانية وتشجيع البحوث والابداع، الريادة وريادة الأعمال، التبادل الأكاديمي والسفر إلى الخارج لنقل المهارات والمعرفة واكتسابها، ومُشاركة البرامج الدراسية عالمياً.

ومن مجلاتِ التعليم والتعلُّمِ التطبيقي: العلوم التطبيقية وتخصصاتها كالفيزياء التطبيقية، والكيمياء التطبيقية، والاحياء التطبيقية، في مقابل الفيزياء والكيمياء والأحياء بشكلها التقليدي والنظري المتعارف عليه، كذلك الأمر بالنسبة للمهن التطبيقية والتقنية فيما يُعرف حالياً بالتعليم المهني والتقني بشقيه (قصير المدى، ومتوسط المدى)، في مُقابلِ المهنِ والحرفِ التقليديةِ البسيطةِ والمُتوارثة، إضافة إلى التخصصاتِ الهندسية وتطبيقاتها المُختلفة: كالميكانيك، والميكاترونكس، والكهرباء، والالكترونيات والاتصالات، والطاقة، والتطبيقات الهندسية الطبية ... وغيرها الكثير، والتي تُمثلُ تخصصات المُستقبل والتشغيل.

عزيزي الناجح في الثانوية العامة، إن الخيار اليوم والاختيار لتخصصٍ يضمنُ لك فُرصة مهنية أفضل في المُستقبل هو خيارٌ وقرار يستندُ بالدرجة الأولى على حُسن تقديركَ "لهواياتكَ واهتماماتكَ" وما تُجيد من مهارات وتسعى لتعزيزها باختيارك لتخصص ما، فلا أحد يعرف ذلك كُله حقَ المعرفة غيرك أنت، فهي مخزنُ إبداعِكَ وشُعلته، والسعي المُستمر إلى تنميتها وتطويرها بعد التخرج في حقل الاختصاص الذي تم اختياره، إضافةً إلى استشارة ذوي الاختصاص في كُل مجال، فهُم الدليل لك والمُرشد بِحُكمِ معرفتهم وخبرتهم، مع التأكيد هُنا بأن التركيز اليوم عالمياً في عملية "التوظيف" ينصبُ على الكفايات العلمية المُكتسبة لدى كُل خريج من (معارف، ومهارات، وميزات) تخصصية، كذلك توجه مُعظم الدول والمجتمعات المُتقدمة والنامية حالياً تجاه المُنافسة في تقديمِ تعليمٍ مُتخصصٍ لرعاياها، بشكلٍ يضمنُ مُواكبة عملية التنمية، وما استحدثته من ثورة تقنية وتكنولوجية في شكلٍ تطبيقات علمية في مختلف المجالات والتخصصات، بحيث كان التعليم التطبيقي سبيلاً ومحوراً أساسياً لهذا كُله.

وفي الختام وعبر هذه الكلمات ومن خلال هذا المنبر الإعلامي والوطني الرفيع "وكالة معاً"، أتقدم بالتهنئة والتبريك للناجحين والناجحات من أبنائِنا في فروع الثانوية العامة كافة في فلسطين، وأحثهم على البحث والاستفسار عن مثل هذه التخصصات، فهنالك نخبة من الجامعات الوطنية والعالمية، والتي تطرحها وأنا لستُ بصَدد الاتيان على ذكرها أو بعضٍ منها من باب الموضوعية في الطرح.

دائرة العلاقات العامة والاعلام